جوليانا
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 A0e2e3d41739dfe8e5bcd232e3515cae بّـسًسًـمِ آلَلَهِ آلَرحً ـمِآنٌ آلَرحً ـيّمِ

آهِلَيّنٌ آهِلَيّنٌ بّـزَآئرآتُنٌآ وِعَ ـضوِآتُنٌآ آلَكرآمِ يّآ آلَفُ مِرحً ـبّـآ يّآ زَآئرة يّسًسًـعَ ـدُنٌآ تُسًسًـجَ ـيّلَك فُيّ مِنٌتُدُآنٌآ آلَمِتُوِآضعَ ـ يّآ عَ ـضوِتُنٌآ يّسًسًـعَ ـدُنٌآ قَدُوِمِك آلَى مِنٌتُدُآك وِيّسًسًـعَ ـدُنٌآ آيّضآ آنٌ تُسًسًـآهِمِوِآ وِتُجَ ـعَ ـلَوِآ آلَمِنٌتُدُى آفُضلَ بّـمِوِآضيّعَ ـكمِ نٌحً ـنٌ بّـآنٌتُضركمِ لَآ تُتُردُآدُوِآ سًسًـجَ ـلَوِآ مِعَ ـنٌآ.  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 A5414df7c9f417a2006d25d1d38834a3
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Ba7a868a0226ec035ceeafdcc705f567
جوليانا
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 A0e2e3d41739dfe8e5bcd232e3515cae بّـسًسًـمِ آلَلَهِ آلَرحً ـمِآنٌ آلَرحً ـيّمِ

آهِلَيّنٌ آهِلَيّنٌ بّـزَآئرآتُنٌآ وِعَ ـضوِآتُنٌآ آلَكرآمِ يّآ آلَفُ مِرحً ـبّـآ يّآ زَآئرة يّسًسًـعَ ـدُنٌآ تُسًسًـجَ ـيّلَك فُيّ مِنٌتُدُآنٌآ آلَمِتُوِآضعَ ـ يّآ عَ ـضوِتُنٌآ يّسًسًـعَ ـدُنٌآ قَدُوِمِك آلَى مِنٌتُدُآك وِيّسًسًـعَ ـدُنٌآ آيّضآ آنٌ تُسًسًـآهِمِوِآ وِتُجَ ـعَ ـلَوِآ آلَمِنٌتُدُى آفُضلَ بّـمِوِآضيّعَ ـكمِ نٌحً ـنٌ بّـآنٌتُضركمِ لَآ تُتُردُآدُوِآ سًسًـجَ ـلَوِآ مِعَ ـنٌآ.  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 A5414df7c9f417a2006d25d1d38834a3
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Ba7a868a0226ec035ceeafdcc705f567
جوليانا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يّآ هِلَآ وِ سًسًـهِلَآ بّـكمِ فُيّ مِنٌتُدُى جَ ـوِلَيّنٌآ نٌتُمِنٌى آلَتُسًسًـجَ ـيّلَ وِ شّـكرآآ.
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
المواضيع الأخيرة
» موقع العاب عربي يحتوي على احلى العاب بدون تحميل
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالإثنين 25 يوليو 2016 - 15:48 من طرف نوسا123

» موقع العاب رمضانية متجددة يوميا على الانترنت
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالإثنين 13 يونيو 2016 - 17:48 من طرف نوسا123

» موقع العاب رمضانية متجددة يوميا على الانترنت
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالإثنين 6 يونيو 2016 - 17:37 من طرف نوسا123

» احلى موقع العاب الثقافية والثنائية للاولاد والبنات
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالإثنين 16 مايو 2016 - 19:54 من طرف نوسا123

» موقع العاب عربي يحتوي على احلى العاب بدون تحميل
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالثلاثاء 12 أبريل 2016 - 17:58 من طرف نوسا123

» موقع العاب عربي يحتوي على احلى العاب بدون تحميل
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالثلاثاء 5 أبريل 2016 - 17:49 من طرف نوسا123

» Twahcht montaddanà
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالسبت 26 مارس 2016 - 21:40 من طرف بثينة2

» صور من هيهات منتدانا
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 نوفمبر 2015 - 14:31 من طرف layanedz

» صفحة أنا فتاة تعيسة الحظ ونورمال ♥。✿
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالثلاثاء 4 أغسطس 2015 - 19:24 من طرف ريان الجزائرية

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
رانيا الجزائرية
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
حليمة غنام
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
مريم
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
بثينة2
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
ريان الجزائرية
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
malak swift
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
آڸپرنسيسهِِ
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
هدى
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
منال الجزائرية
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
♥جوليانا♥
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_voting_bar  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap 
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط جوليانا على موقع حفض الصفحات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأكثر نشاطاً
فلسطيــــــــــــــــــــــــــــن
موضوع المليون رد
صور انمي كيوت روعة
ادخلي و صوتي لنائبة المنتدى الجديدة
كل واحده تدخل تكتب اي شيييييييييي
كل يوم حكمة و معلومة
صفحة أنا فتاة تعيسة الحظ ونورمال ♥。✿
يا بنات لا تخجلوا
صور متحركة
مشكلة عاجلة
نوفمبر 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930 
اليوميةاليومية
تصويت
ما رايك بالمنتدى
اعجبني سوف اسجل
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap100%  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap
 100% [ 3 ]
لم يعجبني لن اسجل
  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_rcap0%  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_vote_lcap
 0% [ 0 ]
مجموع عدد الأصوات : 3
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



منتدى

 

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حليمة غنام
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
حليمة غنام


عدد المساهمات : 1430
تاريخ التسجيل : 28/05/2013
العمر : 27
الموقع : مكان يحلم الجميع العيش فيه (فلسطين )

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Empty
مُساهمةموضوع: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }      { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالخميس 5 ديسمبر 2013 - 14:48

قفيع 
نقلت لكم قصص بعض صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين


مصعب بن عمير

اول سفراء الاسلام


صحابي جليل من صحابة رسول الله كان شابا غنيا مترفا منعما حسن الوجه لطيف المعاملة والمعاشرة، وكلما تعمق القاريء في ترجمته ازداد له هيبة وامتلأ إعجابا وإكبارا له، فهو ممن وضعوا البُني الأساسية لمجد الإسلام وعزته ومكانته ورفعته في مدينة رسول الله بين الأنصار أوسهم وخزرجهم، ولا أقصد بكلامي عن هذه الشخصية الكريمة مجرد التفاخر والتواكل والاعتماد في الحاضر على الأحساب والأمجاد الأولى، فهذا لا يفيدنا شيئا في مجال البناء والنهضة بشبابنا الضائع وأمتنا التائهة.

وإنما أقصد بحديثي استلهام روح البطولات الرائدة لدى سلفنا الصالح ليصبح الحديث عنهم عنوانا طيبا صالحا لبعث الحياة فيهم من جديد، وتجديد الأمل، واستعذاب المنى وتفجير الطاقات والقوى، وإحداث التغيرات الفورية في جيل الإسلام وأمة الحاضر للاتجاه نحو الأفضل والعمل من أجل غد مشرق ومستقبل باسم مليء بالأمجاد لا مجال فيه لمتخاذل أو مستضعف أو متردد أو مبتدع مارق، فليس الكلام الشيق المفصل عن حياة أي صحابي مجرد قصة أو ترجمة عابرة للتسلية وشغل الوقت كأغلب قصص وثقافات السوق الرائجة وإنما لتبيين موطن العبرة وموضع العظة ومعرفة طريق الأمل والنور.


هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.

غرّة فتيان قريش, وأوفاهم جمالا, وشبابا..

يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..

ولد في النعمة, وغذيّ بها, وشبّ تحت خمائلها.

ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..

ذلك الفتى الريّان, المدلل المنعّم, حديث حسان مكة, ولؤلؤة ندواتها ومجالسها, أيمكن أن يتحوّل إلى أسطورة من أساطير الإيمان والفداء..؟

بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير", أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.


هذا الصحابي هو السيد الشهيد السابق البدري القرشي العبدري: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي

انه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..

ولكن أي واحد كان..؟

إن قصة حياته لشرف لبني الإنسان جميعا..

لقد سمع الفتى ذات يوم, ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..

"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا إلى عبادة الله الواحد الأحد.

وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها, ولا حديث يشغلها إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه, كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.

ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه, زينة المجالس والندوات, تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها, ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..

ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه, يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في دار "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد, ولا التلبث والانتظار, بل صحب نفسه ذات مساء إلى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...

هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن, ويصلي معهم لله العليّ القدير.

ولم يكد مصعب يأخذ مكانه, وتنساب الآيات من قلب الرسول متآلفة على شفتيه, ثم آخذة طريقها إلى الأسماع والأفئدة, حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!

ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه, وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.

ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج, والفؤاد المتوثب, فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنّه وعمره, ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!

--

كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها, وكانت تهاب إلى حد الرهبة..

ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى أمه.

فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها, استحالت هولاً يقارعه ويصارعه, لاستخف به مصعب إلى حين..

أما خصومة أمه, فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!

ولقد فكر سريعا, وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمرا.

وظل يتردد على دار الأرقم, ويجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو قرير العين بإيمانه, وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه خبرا..

ولكن مكة في تلك الأيام بالذات, لا يخفى فيها سر, فعيون قريش وآذانها على كل طريق, ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة, الواشية..

ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية إلى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم, فسابق ريح الصحراء وزوابعها, شاخصا إلى أم مصعب, حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...

ووقف مصعب أمام أمه, وعشيرته, وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته, القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم, ويملؤها به حكمة وشرفا, وعدلا وتقى.

وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية, ولكن اليد التي امتدت كالسهم, ما لبثت أن استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام, وهدوءا يفرض الإقناع..

ولكن, إذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى, فان في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..

وهكذا مضت به إلى ركن قصي من أركان دارها, وحبسته فيه, وأحكمت عليه إغلاقه, وظل رهين محبسه ذاك, حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشة, فاحتال لنفسه حين سمع النبأ, وغافل أمه وحراسه, ومضى إلى الحبشة مهاجرا أوّابا..

ولسوف يمكث بالحبشة مع إخوانه المهاجرين, ثم يعود معهم إلى مكة, ثم يهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.

ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة, فان تجربة إيمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان, ولقد فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار, واطمأن مصعب إلى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى, وخالقها العظيم..

خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله, فما إن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..

ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا, وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه, حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة, وألقا وعطرا..

وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة, شاكرة محبة, وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة, وقال:

" لقد رأيت مصعبا هذا, وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه, ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!

لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها, حتى ولو يكون هذا الإنسان ابنها..!!

ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..

وإنها لتعلم صدق عزمه إذا همّ وعزم, فودعته باكية, وودعها باكيا..

وكشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه إني لك ناصح, وعليك شفوق, فاشهدي بأنه لا اله إلا الله, وأن محمدا عبده ورسوله"...

أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب, لا أدخل في دينك, فيزرى برأيي, ويضعف عقلي"..!!

وخرج مصعب من العتمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر, لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب, يأكل يوما, ويجوع أياما و ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة, والمتألقة بنور الله, كانت قد جعلت منه إنسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...

--

وآنئذ, اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره إلى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله, ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..

كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها, وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير, وهو يعلم أنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة, ويلقي بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة, ومنطلق الدعوة والدعاة, والمبشرين والغزاة, بعد حين من الزمان قريب..

وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق, ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه وإخلاصه, فدخلوا في دين الله أفواجا..

لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة, ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!

وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم "مصعب بن عمير".

لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..

فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها. وعرف أنه داعية إلى الله تعالى, ومبشر بدينه الذي يدعو الناس إلى الهدى, والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به, ليس عليه إلا البلاغ..

هناك نهض في ضيافة "أسعد بن زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس, تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه, هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (إنما الله اله واحد)..

ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه, لولا فطنة عقله, وعظمة روحه..



ذات يوم فاجأه وهو يعظ الإنس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة, فاجأه شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم, ويحدثهم عن إله واحد لم يعرفوه من قبل, ولم يألفوه من قبل..!

إن آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها و إذا احتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا إليها, فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..

أما إله محمد الذي يدعوهم إليه باسمه هذا السفير الوافد إليهم, فما أحد يعرف مكانه, ولا أحد يستطيع أن يراه..!!

وما إن رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد بن حضير متوشحا غضبه المتلظي, وثورته المتحفزة, حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا, متهللا..

وقف أسيد أمامه مهتاجا, وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:

"ما جاء بكما إلى حيّنا, تسفهان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا, إذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!

وفي مثل هدوء البحر وقوته..

وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:

"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".

الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!



كان أسيد رجلا أعرايبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه إلى ضميره, فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع, تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم, وتحول إلى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..

هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته إلى الأرض وجلس يصغي..

ولم يكد مصعب يقرأ القرآن, ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم, وتكتسي بجماله..!!

ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:

"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟

وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا, ثم قال له مصعب:

"يطهر ثوبه وبدنه, ويشهد أن لا اله إلا الله".

فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه, ووقف يعلن أن لا اله إلا الله, وأن محمدا رسول الله..

وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع, وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة, وتمت بإسلامهم النعمة, وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: إذا كان أسيد بن حضير, وسعد بن معاذ, وسعد بن عبادة قد أسلموا, ففيم تخلفنا..؟ هيا إلى مصعب, فلنؤمن معه, فإنهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!

--

لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحاً هو له أهل, وبه جدير..

وتمضي الأيام والأعوام, ويهاجر الرسول وصحبه إلى المدينة, وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها, لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر, فيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون إلى الثأر, و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم, ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية.. ويدعو مصعب الخير, فيتقدم ويحمل اللواء..

وتشب المعركة الرهيبة, ويحتدم القتال, ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام, ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين, لكن عملهم هذا, سرعان ما يحوّل نصر المسلمين إلى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل, وتعمل فيهم على حين غرّة, السيوف الظامئة المجنونة..

حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين, ركّزوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..

وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر, فرفع اللواء عاليا, وأطلق تكبيرة كالزئير, ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء إليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه, وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل, ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..

يد تحمل الراية في تقديس..

ويد تضرب بالسيف في عنفوان..

ولكن الأعداء يتكاثرون عليه, يريدون أن يعبروا فوق جثته إلى حيث يلقون الرسول..

لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!

يقول ابن سعد: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري, عن أبيه قال:

[حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد, فلما جال المسلمون ثبت به مصعب, فأقبل ابن قميئة وهو فارس, فضربه على يده اليمنى فقطعها, ومصعب يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..

وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه, فضرب يده اليسرى فقطعها, فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..

ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأنفذ الرمح, ووقع مصعب, وسقط اللواء].

وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!

وقع حلية الشهادة, وكوكب الشهداء..!!

وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والإيمان..

كان يظن أنه إذا سقط فسيصبح طريق القتلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..

ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)

هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها, ويكملها, ويجعلها, قرآنا يتلى..

--

وبعد انتهاء المعركة المريرة, وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا, وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..

لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء, فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!

أو لكأنه خجلان إذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله, وقبل أن يؤدي إلى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!

لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!

--

وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..

وعند جثمان مصعب, سالت دموع وفيّة غزيرة..

يقول خبّاب بن الأرت:

[هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله, نبتغي وجه الله, فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى, ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا, منهم مصعب بن عمير, قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة.. فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه, وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه, فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه, واجعلوا على رجليه من نبات الأذخر"..]..

وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة, وتمثيل المشركين بجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام, وأوجع فؤاده..

وعلى الرغم من أن أرض المعركة امتلأت بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..

على الرغم من كل هذا, فقد وقف على جثمان أول سفرائه, يودعه وينعاه..

أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)

ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي دفن بها وقال لقد رأيتك بمكة, وما بها أرق حلة, ولا أحسن لمّة منك. "ثم ها ذا شعث الرأس في بردة"..؟!

وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:

"إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".

ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:

"أيها الناس زوروهم , وأتوهم, وسلموا عليهم, فوالذي نفسي بيده, لا يسلم عليهم مسلم إلى يوم القيامة, إلا ردوا عليه السلام"..

--

السلام عليك يا مصعب..

السلام عليكم يا معشر الشهداء..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

-===========

تابعونا في القادم بإءذن الله











الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حليمة غنام
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
حليمة غنام


عدد المساهمات : 1430
تاريخ التسجيل : 28/05/2013
العمر : 27
الموقع : مكان يحلم الجميع العيش فيه (فلسطين )

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }      { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالخميس 5 ديسمبر 2013 - 14:50

سلمان الفارسي

( الباحث عن الحقيقة )

من بلاد فارس, يجيء البطل هذه المرة..

ومن بلاد فارس, عانق الإسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد, فجعل منهم أفذاذا لا يلحقون في الإيمان, وفي العلم.. في الدين, وفي الدنيا..

وإنها لإحدى روائع الإسلام وعظمائه, ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في إعجاز باهر, كل نبوغها ويحرج كل طاقاتها, ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فإذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسامون..

وإذا بهم يبزغون من كل أفق, ويطلعون من كل بلد, حتى تزدحم عصور الإسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل, والإرادة, والضمير.. أوطانهم شتى, ودينهم واحد..!!

ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا, بل وعد به وعدَ صدقٍ من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأيَ العين راية الإسلام تخفق فوق مدائن الأرض, وقصور أربابها..

وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وُثقى .

كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. إذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة, مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين, متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.

ووضعت خطة الحرب الغادرة, على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها, بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل, ومن وراء صفوف المسلمين, الذين سيقعون آنئذ بين شقي رحى تطحنهم, وتجعلهم ذكرى..!

وفوجئ الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.

وسقط في أيدي المسلمين, وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.

وصوّر القرآن الموقف, فقال الله تعالى:

(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ). الأحزاب (10)

أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه, وأصحابه..

وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الإسلام خطرا عليها.

إنها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا, وجماعات, وقبائل, ومصالح..

ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..

وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..

وطبعا, أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟

هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين, الغزير الشعر, الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما, واحتراما كبيرا.

تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية, نظرة فاحصة على المدينة, فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة, ومهيأة, يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.

وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال, فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.

والله يعلم , ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة, وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة, حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها, وبدّدت شملها..

ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل إلى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!



خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه, اعترضت معولهم صخور عاتية..

كان سلمان قوي البنية شديد الأسر, وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا, ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!

وذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية.

وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة..

وحين رآها دعا بمعول, وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلا عن مرمى الشظايا..

وسمّى بالله, ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة, وهوى به على الصخرة, فإذا بها تنثلم, ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.

ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها, أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:

"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس, ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة, ومدائن كسرى, وان أمتي ظاهرة عليها"..

ثم رفع المعول, وهوت ضربته الثانية, فتكررت الظاهرة, وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع, وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:

"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم, ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء, وان أمتي ظاهرة عليها".
ثم ضرب ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها, وأضاء برقها الشديد الباهر, وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما, وصاح المسلمون في إيمان عظيم:

هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله..!!

كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير, حين استعان عليها برسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان قائما إلى جوار الرسول يرى الضوء, ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها, وواقعا يحياه, فرأى مدائن الفرس والروم..

رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..

رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!!

وها هو ذا, جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أمام داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة, ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس إلى المسيحية, ثم إلى الإسلام..

كيف غادر ثراء أبيه الباذخ, ورمى نفسه في أحضان الفاقة, بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!!

كيف بيع في سوق الرقيق, وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟

كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟

تعالوا نقترب من مجلسه الجليل, ونصغ إلى النبأ الباهر الذي يرويه..

[كنت رجلا من أهل أصبهان, من قرية يقال لها "جي"..

وكان أبي دهقان أرضه.

وكنت من أحب عباد الله إليه..

وقد اجتهدت في المجوسية, حتى كنت قاطن النار التي نوقدها, ولا نتركها نخبو..

وكان لأبي ضيعة, أرسلني إليها يوما, فخرجت, فمررت بكنيسة للنصارى, فسمعتهم يصلون, فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت من صلاتهم, وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, فما برحتهم حتى غابت الشمس, ولا ذهبت إلى ضيعة أبي, ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري...

وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم, فقالوا في الشام..

وقلت لأبي حين عدت إليه: إني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم, ورأيت أن دينهم خير من ديننا..

فحاذرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..

وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام, أن يخبروني قبل عودتهم إليها لأرحل إلى الشام معهم, وقد فعلوا, فحطمت الحديد وخرجت, وانطلقت معهم إلى الشام..

وهناك سألت عن عالمهم, فقيل لي هو الأسقف, صاحب الكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم, وأصلي وأتعلم..

وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, إذ كان يجمع الصدقات من الإنس ليوزعها, ثم يكتنزها لنفسه.

ثم مات..

وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه, فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه, ولا أعظم منه رغبة في الآخرة, وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة..

وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى, فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟

قال: أي بني, ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل..

فلما توفي, أتيت صاحب الموصل, فأخبرته الخبر, وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم, ثم حضرته الوفاة, سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم, فرحلت إليه, وأقمت معه, واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات..

ثم حضرته الوفاة, فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه, آمرك أن تأتيه, ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا.. يهاجر إلى أرض ذات نخل بين جرّتين, فان استطعت أن تخلص إليه فافعل.

وان له آيات لا تخفى, فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة, إذا رأيته عرفته.

ومر بي ركب ذات يوم, فسألتهم عن بلادهم, فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟.. قالوا: نعم.

واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى, وهناك ظلموني, وباعوني إلى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير, فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي, والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها.

وأقمت عند الرجل الذي اشتراني, حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة, فابتاعني منه, ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فو الله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..

وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.

واني لفي رأس نخلة يوما, وصاحبي جالس تحتها إذ أقبل رجل من يهود, من بني عمه, فقال يخاطبه: قاتل الله بني قريظة إنم ليتقاصفون على رجل بقباء, قادم من مكة يزعم أنه نبي..

فو الله ما إن قالها حتى أخذتني العرواء, فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا, أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟

فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة, ثم قال: مالك ولهذا..؟

أقبل على عملك..

فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه, فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة, وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة, فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به..

ثم وضعته, فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا..

فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!!

ثم رجعت وعدت إلى الرسول عليه السلام في الغداة, أحمل طعاما, وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية, ووضعته بين يديه, فقال لأصحابه كلوا باسم الله..

وأكل معهم..

قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكل الهدية..!!

ثم رجعت فمكثت ما شاء الله, ثم أتيته, فوجدته في البقيع قد تبع جنازة, وحوله أصحابه وعليه شملتين مؤتزرا بواحدة, مرتديا الأخرى, فسلمت عليه, ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره, فعرف أني أريد ذلك, فألقى بردته عن كاهله, فإذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة, كما وصفه لي صاحبي..

فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه, وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن..

ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..

وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك", فكاتبته, وأمر الرسول أصحابه كي يعاونوني. وحرر الله رقبتي, وعشت حرا مسلما, وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق, والمشاهد كلها. هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.

بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله, وترسم له دوره في الحياة..

فأي إنسان شامخ كان هذا الإنسان..؟

أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة, وفرضته إرادته الغلابة على المصاعب فقهرتها, وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟

أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعاً مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه إلى المجهول بكل أعبائه, ومشاقه, ينتقل من أرض إلى أرض.. ومن بلد إلى بلد.. ناصبا, كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس, والمذاهب والحياة.. ويظل في إصراره العظيم وراء الحق, وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى, فيجمعه بالحق, ويلاقيه برسوله, ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض, وعباده المسلمون يملؤون أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!

ماذا نتوقع أن يكون إسلام رجل هذه همته, وهذا صدقه؟

لقد كان إسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده, وفطنته, وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب.

أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.

وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم, وكان نافلة..

فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي, وأصلي له..؟ّ

فأجابه سلمان قائلا:

إن لعينك عليك حقا, وان لأهلك عليك حقا, صم وافطر, وصل ونم..

فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:

" لقد أشبع سلمان علما ".

وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا, كما كان يطري خلقه ودينه..

ويوم الخندق, وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..

وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".

وانه بهذا الشرف لجدير..

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:

[ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟

أوتي العلم الأول, والعلم الآخر, وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر, وكان بحرا لا ينزف].

ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.

ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا, فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا, إذ جمع أصحابه وقال لهم:

"هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!

وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة.

لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا, ومجاهدا وعابدا.

وعاش مع خليفته أبي بكر, ثم أمير المؤمنين عمر, ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.

وفي معظم هذه السنوات, كانت رايات الإسلام تملأ الأفق, وكانت الكنوز والأموال تحمل إلى المدينة فيئا وجزية, فتورّع الأنس في صورة أعطيت منتظمة, ومرتبات ثابتة.

وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها, فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها..

فأين كان سلمان في هذا الخضم..؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟

افتحوا أبصاركم جيدا..

أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟

انه سلمان..

انظروه جيدا..

انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد إلى ركبته..

انه هو, في جلال مشيبه, وبساطة اهابه.

لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام, بيد أنه كان يوزعه جميعا, ويرفض أن يناله منه درهم واحد, ويقول:

"أشتري خوصا بدرهم, فأعمله, ثم أبيعه بثلاثة دراهم, فأعيد درهما فيه, وأنفق درهما على عيالي, وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت"!

ثم ماذا يا أتباع محمد..؟

ثم ماذا يا شرف الإنسانية في كل عصورها ومواطنها..؟؟

لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم, مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر وإخوانهم, أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة..

فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترف والمدنية, ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما باله يرفض هذا المال والثروة والنعيم, ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟

ما باله يرفض إمارة ويهرب منها ويقول:

"إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل..".

ما باله يهرب من الإمارة والمنصب, إلا أن تكون إمارة على سريّة ذاهبة إلى الجهاد.. وألا أن تكون في ظروف لا يصلح لها سواه, فيكره عليها إكراها, ويمضي إليها باكيا وجلا..؟

ثم ما باله حين يلي على الإمارة المفروضة عليه فرضا يأبى أن يأخذ عطاءها الحلال..؟؟

روى هشام عن حسان عن الحسن:

" كان عطاء سلمان خمسة آلاف, وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها, ويلبس نصفها.."

"وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه, ويأكل من عمل يديه..".

ما باله يصنع كل هذا الصنيع, ويزهد كل ذلك الزهد, وه الفارسي, ابن النعمة, وربيب الحضارة..؟

لنستمع الجواب منه. وهو على فراش الموت. تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربها العلي الرحيم.

دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان..

قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد الله..؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض".

فأجابه سلمان:

" والله ما أبكي جزعا من الموت, ولاحرصا على الدنيا, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا, فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب, وهاأنذا حولي هذه الأساود"!!

يعني بالأساود الأشياء الكثيرة!

قال سعد فنظرت, فلم أرى حوله الا جفنة ومطهرة, فقلت له: يا أبا عبدالله اعهد إلينا بعهد نأخذه عنك, فقال:

" يا سعد:

اذكر عند الله همّتك إذا هممت..

وعند حكمتك إذا حكمت..

وعند يدك إذا قسمت.."

هذا هو إذن الذي ملأ نفسه غنى, بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالها, ومناصبها وجاهها.. عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه والى أصحابه جميعا: ألا يدعو الدنيا تتملكهم, وألا يأخذ أحدهم منها إلا مثل زاد الركب..

ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حين رأى روحه تتهيأ للرحيل, مخافة أن يكون قد جاوز المدى.

ليس حوله إلا جفنة يأكل فيها, ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا..

ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟

وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن, لم يتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة الإمارة درهم.. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس إلا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها..

وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر..

كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه, فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم, حتى بدا له أن يضع الحمل على كاهله, حتى إذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله..

وأشار للرجل فأقبل عليه, وقال له الشامي: احمل عني هذا.. فحمله ومضيا معا.

وإذ هما على الطريق بلغا جماعة من الإنس, فسلم عليهم, فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام..

وعلى الأمير السلام..؟

أي أمير يعنون..؟!!

هكذا سأل الشامي نفسه..

ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين:

عنك أيها الأمير..!!

فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي, فسقط في يده, وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين شفتيه, واقترب ينتزع الحمل. ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول:

" لا, حتى أبلغك منزلك"..!!

سئل يوما: ما الذي يبغض الإمارة إلى نفسك.؟

فأجاب: " حلاوة رضاعها, ومرارة فطامها"..

ويدخل عليه صاحبه يوما بيته, فإذا هو يعجن, فيسأله:

أين الخادم..؟

فيجيبه قائلا:

" لقد بعثناها في حاجة, فكرهنا أن نجمع عليها عملين.."

وحين نقول بيته فلنذكر تماما, ماذا كان ذاك البيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا, سأل البنّاء: كيف ستبنيه..؟

وكان البنّاء حصيفا ذكيا, يعرف زهد سلمان وورعه.. فأجابه قائلا:" لا تخف.. إنها بناية تستظل بها من الحر, وتسكن فيها من البرد, إذا وقفت فيها أصابت رأسك, وإذا اضطجعت فيها أصابت رجلك"..!

فقال له سلمان: "نعم هكذا فاصنع".

لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن إليه سلمان لحظة, أو تتعلق به نفسه إثارة, إلا شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص, ولقد ائتمن عليه زوجته, وطلب إليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين.

وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه, ناداها:

"هلمي خبيّك التي استخبأتك"..!!

فجاءت بها, وإذا هي صرة مسك, كان قد أصابها يوم فتح "جلولاء" فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته.

ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه, ثم ماثه بيده, وقال لزوجته:

"انضحيه حولي.. فانه يحصرني الآن خلق من خلق الله, لا يأكلون الطعام, وإنما يحبون الطيب".

فلما فعلت قال لها:" اجفي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به..

وبعد حين صعدت إليه, فإذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه.

قد لحقت بالملأ الأعلى, وصعدت على أجنحة الشوق إليه, إذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد, وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدة من الشهداء والأبرار.

--

لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان..

وآن اليوم أن يرتوي, وينهل..

-===============-
تابعونا في القادم بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حليمة غنام
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
حليمة غنام


عدد المساهمات : 1430
تاريخ التسجيل : 28/05/2013
العمر : 27
الموقع : مكان يحلم الجميع العيش فيه (فلسطين )

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }      { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالخميس 5 ديسمبر 2013 - 14:52

زيد بن الخطاب

( صقر يوم اليمامة )


جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما, وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري, أطرق الرسول لحظات, ثم وجّه الحديث لمن حوله قائلا:

" إن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد"..

وظل الخوف بل لرعب من الفتنة في الدين, يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... كل منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..

ولكن جميع الذين وجّه إليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير, وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله. وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال بن عنفوة.



ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن, وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتدّ الرّجّال عن الإسلام ولحق بمسيلمة الكذاب, وشهد له بالنبوّة.

هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..

والرّجّال بن عنفوة هذا, ذهب ذات يوم إلى الرسول مبايعا ومسلما, ولما تلقّى منه الإسلام عاد إلى قومه.. ولم يرجع إلى المدينة إلا اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسلمين.. ونقل إلى أبي بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة, واقترح على الصدّيق أن يكون مبعوثه إليهم يثبّتهم على الإسلام, فأذن له الخليفة..

وتوجّه الرّجّال إلى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم الغالبون, فحدّثته نفسه الغادرة أن يحتجز له من اليوم مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية, فترك الإسلام, وانضمّ لصفوف مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود.



وكان خطر الرّجّال على الإسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.

ذلك, لأنه استغلّ إسلامه السابق, والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول, وحفظه لآيات كثيرة من القرآن, وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين.. استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.

لقد سار بين الناس يقول لهم: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر".. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات, فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده, هو مسيلمة..!!

ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالإسلام وبالرسول.

وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة, فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا, والذي يوسّع بضلاله دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.

وكان أكثر المسلمين تغيّظا, وتحرّقا للقاء الرّجّال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطّاب..!!

زيد بن الخطّاب..؟

لا بد أنكم عرفتموه..

إنه أخو عمر بن الخطّاب..

أجل أخوه الأكبر, والأسبق..

جاء الحياة قبل عمر, فكان أكبر منه سنا..

وسبقه إلى الإسلام.. كما سبقه إلى الشهادة في سبيل الله..

وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.

وكان إيمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا, ولم يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزاة.

وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر, بقدر ما يبحث عن الشهادة..!

يوم أحد, حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب..

وأبصره أخوه عمر بن الخطّاب, وقد سقط درعه عنه, وأصبح أدنى منالا للأعداء, فصاح به عمر.

" خذ درعي يا زيد فقاتل بها"..

فأجابه زيد:

" إني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"..!!!

وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة, واستبسال عظيم.



قلنا إنه رضي الله عنه, كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الإجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده.. فالرّجّال في رأي زيد, لم يكن مرتدّا فحسب.. بل كان كذّابا منافقا, وصوليا.

لم يرتدّ عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة, ونفاق بغيض هزيل.

وزيد في بغضه النفاق والكذب, كأخيه عمر تماما..!

كلاهما لا يثير اشمئزازه, مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الهابطة, والأغراض الدنيئة.

ومن أجل تلك الأغراض المنحطّة, لعب الرّجّال دوره الآثم, فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة إرباء فاحشا, وهو بهذا يقدّم بيديه إلى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة..

أضلّها أولا, وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه, وزخرفها له هواه, ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة, لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر منه خطرا, وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.



وبدأ يوم اليمامة مكفهرّا شاحبا.

وجمع خالد بن الوليد جيش الإسلام, ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش إلى من..؟؟

إلى زيد بن الخطّاب.

وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..

ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين, وسقط منهم شهداء كثيرون.

ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين, فعلا ربوة هناك, وصاح في إخوانه:

" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم, واضربوا في عدوّكم, وامضوا قدما.. والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله, أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي"..!!

ونزل من فوق الربوة, عاضّا على أضراسه, زامّا شفتيه لا يحرّك لسانه بهمس.

وتركّز مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال, فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم, باحثا عن الرّجّال حتى أبصره..



وهناك راح يأتيه من يمين, ومن شمال, وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه, غاص زيد وراءه حتى يدفع الموج إلى السطح من جديد, فيقترب منه زيد ويبسط إليه سيفه, ولكن الموج البشري المحتدم يبتلع الرّجّال مرّة أخرى, فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..

وأخيرا يمسك بخناقه, ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا, وكذبا, وخسّة..

وبسقوط الأكذوبة, أخذ عالمها كله يتساقط, فدبّ الرعب في نفس مسيلمة في روع المحكم بن الطفيل ثم في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار في يوم عاصف..

لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم, وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة, والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم..!!

وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا.. إذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة..

وغدا سيسقط المحكم, وبعد غد مسيلمة..!!

هكذا أحدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة..

أما المسلمون, فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال, ونهض جريحهم من جديد, حاملا سيفه, وغير عابئ بجراحه..

حتى الذين كانوا على شفا الموت, لا يصلهم بالحياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب, مسّ النبأ أسماعهم كالحلم الجميل, فودّوا لو أنّ بهم قوّة يعودون بها إلى الحياة ليقاتلوا, وليشهدوا النصر في روعة ختامه..

ولكن أنّى لهم هذا, وقد تفتح أبواب الجنّة لاستقبالهم وإنهم الآن ليسمعون أسماءهم وهم ينادون للمثول..؟؟!!



رفع زيد بن الخطاب ذراعيه إلى السماء مبتهلا لربّه, شاكرا نعمته..

ثم عاد إلى سيفه وإلى صمته, فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..

ولقد أخذت المعركة تمضي لصالح المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..



هنالك وقد رأى زيد رياح النصر مقبلة, لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام, فتمنّى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا..

وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا, ومآقيه دموعا,وعزمه إصرارا..

وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..

وسقط البطل شهيدا..

بل قولوا: صعد شهيدا..

صعد عظيما, ممجّدا, سعيدا..

وعاد جيش الإسلام إلى المدينة ظافرا..

وبينما كان عمر, يستقبل مع الخليفة أبي بكر أولئك العائدين الظافرين, راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد..

وكان زيد طويل بائن الطول, ومن ثمّ كان تعرّف العين عليه أمرا ميسورا..

ولكن قبل أن يجهد بصره, اقترب إليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد..

وقال عمر:

" رحم الله زيدا..

سبقني إلى الحسنيين..

أسلم قبلي..

واستشهد قبلي".



وعلى كثرة الانتصارات التي راح الإسلام يظفر بها وينعم, فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة..

ودائما كان يقول:

" ما هبّت الصبا, إلا وجدت منها ريح زيد".

أجل..

إن الصبا لتحمل ريح زيد, وعبير شمائله المتفوقة..

ولكن, إذا إذن أمير المؤمنين, أضفت لعبارته الجليلة هذه, كلمات تكتمل معها جوانب الإطار.

تلك هي:

" .. وما هبّت رياح النصر على الإسلام منذ يوم اليمامة إلا وجد الإسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد.. وبطولة زيد.. وعظمة زيد..!!"



بورك آل الخطّاب تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم..

بوركوا يوم أسلموا.. وبوركوا أيام جاهدوا, واستشهدوا.. وبوركوا يوم يبعثون..!!

-===============-
تابعونا في القادم بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حليمة غنام
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
حليمة غنام


عدد المساهمات : 1430
تاريخ التسجيل : 28/05/2013
العمر : 27
الموقع : مكان يحلم الجميع العيش فيه (فلسطين )

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }      { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالخميس 5 ديسمبر 2013 - 14:53

(3)أبو موسى الأشعري

( الإخلاص.. وليكن ما يكون )


عندما بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى البصرة, ليكون أميرها وواليها, جمع أهلها وقام فيهم خطيبا فقال:

" إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم, أعلمكم كتاب ر بكم, وسنة نبيكم, وأنظف لكم طرقكم"..!!

وغشي الإنس من الدهشة والعجب ما غشيهم, فإنهم ليفهمون كيف يكون تثقيف الناس وتفقيههم في دينهم من واجبات الحاكم والأمير, أما إن يكون من واجباته تنظيف طرقاتهم, فذاك شيء جديد عليهم بل مثير وعجيب..

فمن هذا الوالي الذي قال عنه الحسن رضي الله عنه:

" ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه"..؟



إنه عبدالله بن قيس المكنّى بـأبي موسى الأشعري..

غادر اليمن بلده ووطنه إلى مكة فور سماعه برسول ظهر هناك يهتف بالتوحيد ويدعو إلى الله على بصيرة, ويأمر بمكارم الأخلاق..

وفي مكة, جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى منه الهدى واليقين..

وعاد إلى بلاده يحمل كلمة الله, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى منه الهدى واليقين..

وعاد إلى بلاده يحمل كلمة الله, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثر فراغه من فتح خيبر..

ووافق قدومه قدوم جعفر بن أبي طالب مقبلا مع أصحابه من الحبشة فأسهم الرسول لهم جميعا..

وفي هذه المرّة لم يأت أبو موسى الأشعري وحده, بل جاء معه بضعة وخمسون رجلا من أهل اليمن الذين لقنهم الإسلام, وأخوان شقيقان له, هم, أبو رهم, وأبو بردة..

وسمّى الرسول هذا الوفد.. بل سمّى قومهم جميعا بالأشعريين..

ونعتهم الرسول بأنهم أرق الناس أفئدة..

وكثيرا ما كان يضرب المثل الأعلى لأصحابه, فيقول فيهم وعنهم:

" إن الأشعريين اذا أرملوا في غزو, أو قلّ في أيديهم الطعام, جمعوا ما عندهم في ثوب واحد, ثم اقتسموا بالسويّة.

" فهم مني.. وإنا منهم"..!!

ومن ذلك اليوم أخذ أبو موسى مكانه الدائم والعالي بين المسلمين والمؤمنين, الذين قدّر لهم إن يكونوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلامذته, وإن يكونوا حملة الإسلام إلى الدنيا في كل عصورها ودهورها..



أبو موسى مزيج عجيب من صفات عظيمة..

فهو مقاتل جسور, ومناضل صلب اذا اضطر لقتال..

وهو مسالم طيب, وديع إلى أقصى غايات الطيبة والوداعة..!!

وهو فقيه, حصيف, ذكي يجيد تصويب فهمه إلى مغاليق الأمور, ويتألق في الإفتاء والقضاء, حتى قيل:

" قضاة هذه الأمة أربعة:

" عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت"..!!

ثم هو مع هذا, صاحب فطرة بريئة, من خدعه في الله, انخدع له..!!

وهو عظيم الولاء والمسؤولية..

وكبير الثقة بالناس..

لو أردنا إن نختار من واقع حياته شعارا, لكانت هذه العبارة:

" الإخلاص وليكن ما يكون"..

في مواطن الجهاد, كان الأشعري يحمل مسؤولياته في استبسال مجيد مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عنه:

" سيّد الفوارس, أبو موسى"..!!

وإنه ليرينا صورة من حياته كمقاتل فيقول:

" خرجنا مع رسول الله في غزاة, نقبت فيها أقدامنا, ونقّبت قدماي, وتساقطت أظفاري, حتى لففنا أقدامنا بالخرق"..!!

وما كانت طيبته وسلامة طويته ليغريا به عدوّا في قتال..

فهو في موطن كهذا يرى الأمور في وضوح كامل, ويحسمها في عزم أكيد..



ولقد حدث والمسلمون يفتحون بلاد فارس إن هبط الأشعري بجيشه على أهل أصبهان الذين صالحوه على الجزية فصالحهم..

بيد إنهم في صلحهم ذاك لم يكونوا صادقين.. إنما أرادوا إن يهيئوا لأنفسهم الإعداد لضربة غادرة..

ولكن فطنة أبي موسى التي لا تغيب في مواطن الحاجة إليها كانت تستشف أمر أولئك وما يبيّتون.. فلما همّوا بضربتهم لم يؤخذ القائد على غرّة, وهنالك بارزهم القتال فلم ينتصف النهار حتى كان قد انتصر انتصارا باهرا..!!



وفي المعارك التي خاضها المسلمون ضدّ إمبراطورية الفرس, كان لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه, بلاؤه العظيم وجهاده الكريم..

وفي موقعة تستر بالذات, حيث انسحب الهرزمان بجيشه إليها وتحصّن بها, وجمع فيها جيوشا هائلة, كان أبو موسى بطل هذه الموقعة..

ولقد أمدّه أمير المؤمنين عمر يومئذ بأعداد هائلة من المسلمين, على رأسهم عمار بن ياسر, والبراء بن مالك, وإنس بن مالك, ومجزأة البكري وسلمة بن رجاء..

واتقى الجيشان..

جيش المسلمين بقيادة أبو موسى.. وجيش الفرس بقيادة الهرزمان في معركة من أشد المعارك ضراوة وبأسا..

وانسحب الفرس إلى داخل مدينة تستر المحصنة..

وحاصرها المسلمون أياما طويلة, حتى أعمل أبو موسى عقله وحيلته..

وأرسل مائتي فارس مع عميل فارسي, أغراه أبو موسى بأن يحتال حتى يفتح باب المدينة, أمام الطليعة التي اختارها لهذه المهمة.

ولم تكد الأبواب تفتح, وجنود الطليعة يقتحمون الحصن حتى انقض أبو موسى بجيشه انقضاضا مدمدما.

واستولى على المعقل الخطير في ساعات. واستسلم قادة الفرس, حيث بعث بهم أبو موسى إلى المدينة ليرى أمير المؤمنين فيهم رأيه..



على إن هذا المقاتل ذا المراس الشديد, لم يكن يغادر أرض المعركة حتى يتحوّل إلى أوّاب, بكّاء وديع كالعصفور...

يقرأ القرآن بصوت يهز أعماق من سمعه.. حتى لقد قال عنه الرسول:

" لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود"..!

كان عمر رضي الله عنه كلما رآه دعاه ليتلو عليه من كتاب الله.. قائلا له:

" شوّقنا إلى ربنا يا أبا موسى"..

كذلك لم يكن يشترك في قتال إلا إن يكون ضد جيوش مشركة, جيوش تقاوم الدين وتريد أن تطفئ نور الله..

أما حين يكون القتال بين مسلم ومسلم, فإنه يهرب منه ولا يكون له دور أبدا.

ولقد كان موقفه هذا واضحا في نزاع عليّ ومعاوية, وفي الحرب التي استعر بين المسلمين يومئذ أوراها.

ولعل هذه النقطة من الحديث تصلنا بأكثر مواقف حياته شهرة, وهو موقفه من التحكيم بين الإمام علي ومعاوية.

هذا الموقف الذي كثيرا ما يؤخذ آية وشاهدا على إفراط أبي موسى في الطيبة إلى حد يسهل خداعه.

بيد إن الموقف كما سنراه, وبرغم ما عسى إن يكون فيه تسرّع أو خطأ, إنما يكشف عن عظمة هذا الصحابي الجليل, عظمة نفسه, وعظمة إيمانه بالحق, وبالناس, إن رأى أبي موسى في قضية التحكيم يتلخص في إنه وقد رأى المسلمين يقتل بعضهم بعضا, كل فريق يتعصب لإمام وحاكم.. كما رأى الموقف بين المقاتلين قد بلغ في تأزمه واستحالة تصفيته المدى الذي يضع مصير الأمة المسلمة كلها على حافة الهاوية.

نقول: إن رأيه وقد بلغت الحال من السوء هذا المبلغ, كان يتلخص في تغيير الموقف كله والبدء من جديد.

إن الحرب الأهلية القائمة يوم ذاك إنما تدور بين طائفتين من المسلمين تتنازعان حول شخص الحاكم, فليتنازل الإمام علي عن الخلافة مؤقتا, وليتنازل عنها معاوية, على أن يرد الأمر كله من جديد إلى المسلمين يختارون بطريق الشورى الخليفة الذي يريدون.

هكذا ناقش أبو موسى القضية, وهكذا كان حله.

صحيح إن عليّا بويع بالخلافة بيعة صحيحة.

وصحيح إن كل تمرد غير مشروع لا ينبغي إن يمكّن من غرضه في إسقاط الحق المشروع. بيد إن الأمور في النزاع بين الإمام ومعاوية وبين أهل العراق وأهل الشام, في رأي أبي موسى, قد بلغت المدى الذي يفرض نوعا جديدا من التفكير والحلول.. فعصيان معاوية, لم يعد مجرّد عصيان.. وتمرّد أهل الشام لم يعد مجرد تمرد.. والخلاف كله يعود مجرد خلاف في الرأي ولا في الاختيار..

بل إن ذلك كله تطوّر إلى حرب أهلية ضارية ذهب ضحيتها آلاف القتلى من الفريقين.. ولا تزال تهدد الإسلام والمسلمين بأسوأ العواقب.

فإزاحة أسباب النزاع والحرب, وتنحية أطرافه, مثّلا في تفكير أبي موسى نقطة البدء في طريق الخلاص..

ولقد كان من رأي الإمام علي حينما قبل مبدأ التحكيم, أن يمثل جبهته في التحكيم عبدالله بن عباس, أو غيره من الصحابة. لكن فريقا كبيرا من ذوي البأس في جماعته وجيشه فرضا عليه أبا موسى الأشعري فرضا.

وكانت حجتهم في اختيار أبا موسى أنه لم يشترك قط في النزاع بين علي ومعاوية, بل اعتزل كلا الفريقين بعد أن يئس من حملهما على التفاهم والصلح ونبذ القتال. فهو بهذه المثابة أحق الناس بالتحكيم..

ولم يكن في دين أبي موسى, ولا في إخلاصه وصدقه ما يريب الإمام.. لكنه كان يدرك نوايا الجانب الآخر ويعرف مدى اعتمادهم على المناورة والخدعة. وأبو موسى برغم فقهه وعلمه يكره الخداع والمناورة, ويحب إن يتعامل مع الناس بصدقه لا بذكائه. ومن ثم خشي الإمام علي إن ينخدع أبو موسى للآخرين, ويتحول التحكيم إلى مناورة من جانب واحد, تزيد الأمور سوءا...



بدأ التحيكم بين الفريقين..

أبو موسى الأشعري يمثل جبهة الإمام علي..

وعمرو بن العاص, يمثل جانب معاوية.

والحق إن عمرو بن العاص اعتمد على ذكائه الحاد وحيلته الواسعة في أخذ الراية لمعاوية.

ولقد بدأ الاجتماع بين الرجلين, الأشعري, وعمرو باقتراح طرحه أبو موسى وهو إن يتفق الحكمان على ترشيح عبدالله بن عمر بل وعلى إعلانه خليفة للمسلمين, وذلك لما كان ينعم به عبدالله بن عمر من إجماع رائع على حبه وتوقيره وإجلاله.

ورأى عمرو بن العاص في هذا الاتجاه من أبي موسى فرصة هائلة فانتهزها..

إن مغزى اقتراح أبي موسى, إنه لم يعد مرتبطا بالطرف الذي يمثله وهو الإمام علي..

ومعناه أيضا إنه مستعد لإسناد الخلافة إلى آخرين من أصحاب الرسول بدليل إنه اقترح عبدالله بن عم..

وهكذا عثر عمرو بدهائه على مدخل فسيح إلى غايته, فراح يقترح معاوية.. ثم اقترح ابنه عبدالله بن عمرو وكان ذا مكانة عظيمة بين أصحاب رسول الله.

ولك يغب ذكاء أبي موسى أمام دهاء عمرو.. فإنه لم يكد يرى عمرا يتخذ مبدأ الترشيح قاعدة الترشيح للحديث والتحكيم حتى لوى الزمام إلى وجهة أسلم, فجابه عمرا بأن اختيار الخليفة حق للمسلمين جميعا, وقد جعل الله أمرهم شورى بينهم, فيجب إن يترك الأمر لهم وحدهم وجميعهم لهم الحق في هذا الاختيار..

وسوف نرى كيف استغل عمرو هذا المبدأ الجلي لصالح معاوية..

ولكن قبل ذلك لنقرأ نص الحوار التاريخي الذي دار بين أبي موسى وعمرو بن العاص في بدء اجتماعهما:

أبو موسى: يا عمرو, هل لك في صلاح الأمة ورضا الله..؟

عمرو: وما هو..؟

أبو موسى: نولي عبدالله بن عمر, فإنه لم يدخل نفسه في شيء من هذه الحرب.

عمرو: وأين أنت من معاوية..؟

أبو موسى: ما معاوية بموضع لها ولا يستحقها.

عمرو: ألست تعلم إن عثمان قتل مظلوما..؟

أبو موسى: بلى..

عمرو: فإن معاوية وليّ دم عثمان, وبيته في قريش ما قد علمت. فإن قال الناس لم أولي الأمر ولست سابقة؟ فإن لك في ذلك عذرا. تقول: إني وجدته ولي عثمان, والله تعالى يقول: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).. وهو مع هذا, اخو أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وهو أحد أصحابه..

أبو موسى: اتق الله يا عمرو..

أمّا ما ذكرت من شرف معاوية, فلو كانت الخلافة تستحق بالشرف لكان أحق الناس بها أبرهة بن الصبّاح فإنه من أبناء ملوك اليمن التباعية الذين ملكوا شرق الأرض ومغربها.. ثم أي شرف لمعاوية مع علي بن أبي طالب..؟؟

وأما قولك: إن معاوية ولي عثمان, فأولى منه عمرو بن عثمان..

ولكن إن طاوعتني أحيينا سنة عمر بن الخطاب وذكره, بتوليتنا ابنه عبدالله الحبر..

عمرو: فما يمنعك من ابني عبدالله مع فضله وصلاحه وقديم هجرته وصحبته..؟

أبو موسى: إن ابنك رجل صدق, ولكنك قد غمسته في هذه الحروب غمسا, فهلم نجعلها للطيّب بن الطيّب.. عبدالله بن عمر..

عمرو: يا أبا موسى, إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا رجل له ضرسان يأكل بأحدهما, ويطعم بالآخر..!!

أبو موسى: ويحك يا عمرو.. إن المسلمين قد أسندوا إلينا الأمر بعد إن تقارعوا السيوف, وتشاكوا بالرماح, فلا نردهم في فتنة.

عمرو: فماذا ترى..؟أبو موسى: أرى إن نخلع الرجلين, عليّا ومعاوية, ثم نجعلها شورى بين المسلمين, يختارون لأنفسهم من يحبوا..

عمرو: رضيت بهذا الرأي فإن صلاح النفوس فيه..

إن هذا الحوار يغير تماما وجه الصورة التي تعوّدنا إن نرى بها أبا موسى الأشعري كلما ذكرنا واقعة التحكيم هذه..

إن أبا موسى كان أبعد ما يكون عن الغفلة..

بل إنه في حواره هذا كان ذكاؤه أكثر حركة من ذكاء عمرو بن العاص المشهور بالذكاء والدهاء..

فعندما أراد عمرو إن يجرّع أبا موسى خلافة معاوية بحجة حسبه في قريش, وولايته لدم عثمان, جاء رد أبي موسى حاسما لامعا كحد السيف..

اذا كانت الخلافة بالشرف, فأبرهة بن الصباح سليل الملوك أولى بها من معاوية..

وإذا كانت بدم عثمان والدفاع عن حقه, فابن عثمان رضي الله عنه, أولى بهذه الولاية من معاوية..



لقد سارت قضية التحكيم بعد هذا الحوار في طريق يتحمّل مسؤوليتها عمرو بن العاص وحده..

فقد أبرأ أبو موسى ذمته بردّ الأمر إلى الأمة, تقول كلمتها وتختار خليفتها..

ووافق عمرو والتزم بهذا الرأي..

ولم يكن يخطر ببال أبي موسى إن عمرو في هذا الموقف الذي يهدد الإسلام والمسلمين بشر بكارثة, سيلجأ إلى المناورة, هما يكن اقتناعه بمعاوية..

ولقد حذره ابن عباس حين رجع إليهم يخبرهم بما تم الاتفاق عليه..

حذره من مناورات عمرو وقال له:

" أخشى والله إن يكون عمرو قد خدعك, فإن كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمه قبلك ليتكلم, ثم تكلم أنت بعده"..!

لكن أبا موسى كان يرى الموقف أكبر وأجل من إن يناور فيه عمرو, ومن ثم لم يخالجه أي ريب أوشك في التزام عمرو بما اتفقنا عليه..

واجتمعا في اليوم التالي.. أبو موسى ممثلا لجبهة الإمام علي, وعمرو بن العاص ممثلا لجبهة معاوية..

ودعا أبو موسى عمرا ليتحدث.. فأبى عمرو وقال له:



" ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا.. وأقدم هجرة.. وأكبر سنا"..!!

وتقد أبو موسى واستقبل الحشود الرابضة من كلا الفريقين.

وقال:

" أيها الناس.. إنا قد نظن فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة, ويصلح أمرها, فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين علي ومعاوية, وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها..

وإني قد خلعت عليا ومعاوية..

فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم"...

وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية, كما خلع أبو موسى عليا, تنفيذا للاتفاق المبرم بالأمس...

وصعد عمرو المنبر, وقال:

" أيها الناس, إن أبا موسى قد قال كما سمعتم وخلع صاحبه,

ألا وإني قد خلعت صاحبه كما خلعه, وأثبت صاحبي معاوية, فإنه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه, وأحق الناس بمقامه.."!!

ولم يحتمل أبو موسى وقع المفاجأة, فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة..

وعاد من جديد إلى عزلته, وأغذّ خطاه إلى مكة.. إلى جوار البيت الحرام, يقضي هناك ما بقي له من عمر وأيام..

كان أبو موسى رضي الله عنه موضع ثقة الرسول وحبه, وموضع ثقة خلفائه وأصحابه وحبهم...

ففي حياته عليه الصلاة والسلام ولاه مع معاذ بن جبل أمر اليمن..

وبعد وفاة الرسول عاد إلى المدينة ليجمل مسؤولياته في الجهاد الكبير الذي خاضته جيوش الإسلام ضد فارس والروم..

وفي عهد عمر ولاه أمير المؤمنين البصرة..

وولاه الخليفة عثمان الكوفة..



وكان من أهل القرآن, حفظا, وفقها, وعملا..

ومن كلماته المضيئة عن القرآن:

" اتبعوا القرآن..

ولا تطمعوا في إن يتبعكم القرآن"..!!

وكان من أهل العبادة المثابرين..

وفي الأيام القائظة التي يكاد حرّها يزهق الأنفاس, كنت تجد أبا موسى يلقاها لقاء مشتاق ليصومها ويقول:

" لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة"..



وذات يوم رطيب جاءه أجله..

وكست محيّاه إشراقة من يرجو رحمة الله وحسن ثوابه.ز

والكلمات التي كان يرددها دائما طوال حياته المؤمنة, راح لسانه الآن وهو في لحظات الرحيل يرددها:

تلك هي:

" اللهم أنت السلام..ومنك السلام"...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بثينة2
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
بثينة2


عدد المساهمات : 1074
تاريخ التسجيل : 27/05/2013
العمر : 24
الموقع : في منتدى جوليانا

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }      { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالجمعة 6 ديسمبر 2013 - 11:45

نتع23 بي 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حليمة غنام
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
حليمة غنام


عدد المساهمات : 1430
تاريخ التسجيل : 28/05/2013
العمر : 27
الموقع : مكان يحلم الجميع العيش فيه (فلسطين )

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }      { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالجمعة 6 ديسمبر 2013 - 12:01

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 8ca9a99df1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بحبك يارب
عضوة متميزة
عضوة متميزة
بحبك يارب


عدد المساهمات : 266
تاريخ التسجيل : 02/05/2013
العمر : 30

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }      { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالجمعة 6 ديسمبر 2013 - 20:06

:يسقا\
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حليمة غنام
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
حليمة غنام


عدد المساهمات : 1430
تاريخ التسجيل : 28/05/2013
العمر : 27
الموقع : مكان يحلم الجميع العيش فيه (فلسطين )

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }      { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 I_icon_minitimeالجمعة 13 ديسمبر 2013 - 15:52

  { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }	 8ca9a99df1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اتقوا الله
»  40 فائدة للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
» 60سنه و الله يصلى و الله ما قبل
» سبحان الله
» فضل ذكر الله تعالى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جوليانا :: اسلامنا :: السنه المعطرة-
انتقل الى: