سميرٌ لا يتأخَّرُ أبدًا عن صلاةِ الجماعة.
ما أنْ يسمعَ الآذانَ حتَّى يتهلَّلَ وجهُه بالبِشْرِ والسُّرور ويسرع ليتوضأ فيُحسن الوُضُوءَ ثُمَّ يُسرع الخُطَى إلَى المسجدِ القريبِ مِنْ دَارِهِمْ.
وما أن ينتهيَ من الصَّلاة حتى يجذبَ من أَحَدِ الرُّفُوفِ مصحفًا ويجلسَ في أحدِ أركانِ المسجدِ يتلو بصوتٍ منخفضٍ بعضَ السُّوَرِ الصَّغيرةِ التي صار يحفظُها عن ظهرِ قلبٍ.
وذاتَ مَرَّةٍ وبينما سميرٌ جالسٌ يُرَدِّدُ مَا يحفظ إذا بإمامِ المسجدِ يقتربُ منه وقَدِ ارتسمَتْ على شَفَتَيْهِ ابتسامةٌ هادئةٌ قائلاً: لا أستطيعُ وصفَ سعادتي بك يا سميرُ.. فأنتَ تُحَافِظُ على الصَّلَاةِ في وقتِها وتُحافظ أيضًا على تلاوةِ شيءٍ مِنَ القرآنِ عَقِبَ كُلِّ صلاةٍ.
سمير: أتمنَّى أن أفعلَ أكثرَ مِنْ هذا؛ لأنالَ رِضَا رَبِّي.
تهلَّل وجهُ إمامِ المسجدِ وهو يقولُ: سأُخْبِرُكَ بنصيحةٍ.. لَوِ اتَّبَعْتَها ستنالُ أجرًا عظيمًا.
سأله سميرٌ بلهفةٍ: أخبِرْني بِهَا جَزَاكَ اللهُ خيرًا.
أشار إمامُ المسجدِ إلى المُصْحَفِ الذي يُمسكه سمير قائلاً: ماذا تقرأ الآنَ؟
أجابه سمير: أقرأ قِصَارَ السُّوَرِ.. هذا ما أحفظُه فقطْ.
اتَّسَعَتِ ابتسامةُ إمامِ المسجد وهو يقولُ: ما رأيُك لو حَفِظْتَ آيةً جديدةً كلَّ يومٍ؟
ارتسمَتِ الحيرةُ على وجهِ سميرٍ وهو يقول: ولكنْ مَنْ سيقومُ بتحفيظِي كيْ لا أقعَ في خطأٍ فِي أثناءِ التِّلاوة؟
أجابه إمامُ المسجدِ في ثِقَةٍ: سأَضُمُّك من الغد لِحَلَقةِ تحفيظِ القرآنِ الخاصَّةِ بالصِّغار.. هل تُوَافِقُ؟
أجابهُ سمير بفرحةٍ: طبعًا أُوَافِقُ.
ومِنَ اليوم التَّالِي انْضَمَّ سميرٌ لحلقةِ تحفيظِ القرآنِ بالمسجدِ، وكان إمامُ المسجدِ يهتمُّ به كما يهتمُّ بكلِّ الأطفالِ الذين يأتُون لِينْهَلُوا مِن مَأْدُبَةِ القرآنِ، وكُلَّمَا مَرَّ يومٌ كان سمير يحفظ آيةً جديدةً مِنَ القرآنِ الكريمِ، وبدلاً من قِصَارِ السُّور التي كان يقرَؤُها بالمسجد عَقِبَ كلِّ صلاةٍ أصبح يقرأ سُوَرًا جديدةً.
ذاتَ ليلةٍ استيقظتْ أُمُّ سميرٍ ليلاً على صوتٍ نَدِيٍّ يُرَتِّلُ القرآنَ ليلاً، تسلَّلت الأمُّ على أطرافِ أصابعِها تستطلع الأمرَ لمعرفةِ مصدرِ الصَّوْتِ، وكانتْ سعادتُها غامرةً وهي تلمح ولدها سمير جالسًا في الشُّرْفَةِ يقرأ سورة الرَّحْمَنِ.
ما أن لمح سميرٌ أمهَّ حتى هَبَّ واقفًا يرتمي في حِضنها، سألتْهُ أمُّه مندهشةً: أَخبِرْنِي.. متى حَفِظْتَ سورة الرَّحمن؟
أجابها سمير : إمامُ المسجدِ يُحَفِّظُنَا آيةً كلَّ يومٍ.. أصبَحْتُ أحفظُ سُوَرًا كثيرةً يا أمِّي.
رفعتِ الأمُّ ذراعيها للسَّماء في سعادةٍ وهي تقول: الحمدُ لله.. اللهُمَّ ارْزُقْهُ حِفظ كتابِك.
رفع سمير ذراعيه هو أيضًا للسَّماء قائلاً: اللهُمَّ استجِبْ.. آمِينَ.