يعتبر الملحدون الماديون أن الطبيعة همجية وفيها الصراع والفوضى وأن الإنسان هو من ينظمها ويضبطها ويعالج مشاكلها ثم يقولون: "ما أعظم الإنسان!" بدلاً من "ما أعظم الله!" ..
وعلى أرض الواقع نجد أن الغابات والصحاري نظيفة الأرض ونقية الهواء وهادئة رغم كثرة الحيوانات والحشرات التي فيها، بينما نجد المدن تعج بالتلوث بكافة أنواعه، فما أعظم الإنسان! .
إن الأسود والسباع عندما تفترس فهي لا تأكل أكثر من حاجتها، ولا تعدد الفرائس لتتذوق من أصناف مختلفة -كما يفعل الإنسان العظيم- رغم ما لديها من قوة تستطيع أن تفترس بها قطعاناً كاملة، ولا تقوم بافتراس إلا الحيوان الأضعف من القطيع والذي يكون مريضاً غالباً ، وبافتراسه يكون تخليصاً لباقي القطيع من انتشار المرض ، وبعد أن تنتهي السباع تليها الضباع في تناول ما تحتاج من الفريسة ثم تعقبها الطيور الجارحة والبكتيريا حيث تحولها إلى تربة نظيفة وكأن المكان لم يمر به كائن حي!
ونجد أيضاً أن الأسود لا تأكل الضباع ولا العكس، مع أنه من الممكن أن يجتمع ضباع على أسد ويأكلونه مع فريسته؛ لأنهم أكثر، ولكن هناك نظام فطري من الله يمنع أن يحصل هذا ، فالحيوانات المفترسة لا تأكل بعضها إلا للضرورة، وهي الأقل أعداءً والأقل نسلاً أيضاً، وهذا يعارض فكرة "البقاء للأقوى" التي يرددها الماديون ، فالفرائس نجد أنها كثيرة النسل كالماعز والقوارض مثلاً ، ويقول التطوريون أن كثرة نسلها اختارته من باب الحماية لنفسها من الانقراض، وفي الحقيقة أن هذا ليس حلاً ، فهناك من أراد هذا لتعوض به الفاقد وإلا لتطورت بدفاعها عن نفسها عبر ملايين السنين..! وكل هذا سخف لنفي تدبير الإله ..
بينما إذا التفتنا إلى الإنسان نجد الأقوى يسحق الأضعف في كل مجال، بدءً من الألعاب والرياضة إلى التجارة والسياسة والاستراتيجيات العسكرية ، فأين شريعة الغاب؟ هل هي في الغابة أم في المدينة؟؟! هل هي في غابة الصنوبر أم في غابة الإسمنت المسلح؟! .. فما أعظم الإنسان!
لا نجد في القرآن أي مدح يرافق كلمة الإنسان : {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} ، {إن الإنسان لربه لكنود} أي: جحود وكفور، {قُتِل الإنسان ما أكفره}، {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} ، { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان مِنَّا رَحْمَة ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوس كَفُور} ، {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } ...الخ تلك الآيات الكثيرة .. بل دائماً ما يستثنى من الإنسان كقوله تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ، فهل تصح كلمة "ما أعظم الإنسان" ونحن نرى كل معاناة البيئة والإنسان من الإنسان؟! {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} ، أين هي عظمة الإنسان؟ هل هي في إفساده للبيئة وإفناء الموارد؟ أم في سباقه للتسلح وطرق القتل المتطورة؟ أم هي في الخداع والاستغلال؟ ..
الأبرز مع كلمة "إنسان" هو الشر -مع الأسف- أما الخير فهو الأقل والأكثر خجلاً وانطواءً ، فهل بعد هذا نستطيع أن نقول ونحن واثقون "ما أعظم الإنسان" ؟ ألا يحق لنا أن نقول "ما أسوأ الإنسان" بعد نظرة متأملة إلى سلوك الحيوان الذي لا يفسد ولا يتلف ولا يأخذ إلا ما يحتاج ولا يعرف الطمع كما يعرفه الإنسان ورأسماليته التي لا تشبع حتى يجوع الآخر..
معذرةً.. لن يكون الإنسان عظيماً ما دامت أوراق العملة هي من يحدد قيمته ، ومن يعطي القيمة أعظم ممن تُعطى له !