+
----
-
24مع اقتراب شهر رمضان ونحن نعيش في قلق وتوتر؛ بسبب الخوف على أنفسنا وعلى أبنائنا من أن يسرق منا شهر رمضان الكريم، كما حدث هذا من قبل، فلا نستفيد بالأوقات، ولا نتنافس في الخيرات، ولا نغتنم هذا الموسم العظيم لمغفرة الذنوب ومحو السيئات.
وشهر رمضان فرصة عظيمة للتزود بالطاعة والوصول للتقوى وزيادة الإيمان، فهو موسم عظيم للتسابق للطاعات والتنافس في الخيرات، وهجر المنكرات والرجوع إلى الله تعالى بالتوبة، و محاولة إلزام النفس أن تسير في طريق الهداية، والالتزام بمنهج الاستقامة، للوصول للتقوى و لمغفرة الذنوب في هذا الشهر الكريم، بل والعمل للوصول لحسن الخاتمة، ودخول الجنة والعتق من النار.
لكن توجد الكثير من الموانع، ويقابل المسلم العديد من العقبات في طريقه لإرضاء ربه والسير على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه التحديات قد تصرفنا عن الطاعة، وتلهينا عن تحقيق الهدف من الصيام، وهذه المعوقات التي نقابلها، قد تتجرأ وتقوم هي بالهجوم علينا لتصرفنا عن حسن الاستعداد، وجودة التهيؤ لاستقبال رمضان من شهر شعبان.
ونظرا لكثرة التحديات، والملهيات قد يسرق منا رمضان، فنحن نقلق ونتوتر من شهر شعبان، ونخاف أن يمر رمضان دون أن نحقق الأهداف النبيلة، والغايات الكبرى من شهر القرآن، كما قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"سورة البقرة 183.
وقد نصمد ـ نحن كبار السن ـ وقد لا نصمد! وقد ننجح في مجاهدة أنفسنا بنسبة كبيرة، وقد لا ننجح، وقد نتمكن ونستطيع الوقوف في وجه العقبات، أو نتغلب على الملهيات، ونمنع أنفسنا عن عدم الانشغال بالطاعات، وغالبا ننجح ولو بنسبة كبيرة، خاصة مع حسن الاستعداد من شهر شعبان للفوز بجنة الرضوان ونستعد باتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في شعبان مع تذكر الثواب الجزيل، واستحضار الأجر الكبير الذي ينتظر الصائمين والقائمين، والمجتهدين والمستعدين للشهر من دخول شعبان، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.، وقال أيضا "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
القلق والخوف على الأبناء من سرقة رمضان:
لكن أليس لنا الحق في القلق على الأبناء خصوصا الشباب والفتيات، الذين لم يتدربوا جيدا في كيفية مواجهة الفتن، أو كيف نجاهد أنفسنا 3، فالنفس إمارة بالسوء وتحتاج لمجاهدة مستمرة، أو إذا لم ينجح الشباب في التغلب على مردة الشياطين والتي تلهيهم عن الطاعة، وتصرفهم عن الاستقامة، وتبعدهم عن طريق الجنة.
فلنا الحق نحن الآباء من القلق على الأبناء، خاصة مع كثرة الملهيات، من مواقع إنترنت عديدة وشيقة، ومع كثرة جذب المشاهدين إلى القنوات الفضائية الكثيرة، إضافة إلى أن هناك الهجمات المستمرة من الأعداء المتربصين، و الذين يستخدمون أسلحة جديدة منوعة و قوية، ويتفننون في إلهاء الشباب بوسائل الغزو الفكري المدمرة، والتي تسعى لهدم مبادئ الإسلام في نفوس الأبناء، وتحاول هذه القوى المعادية أيضا أن تفرض القيم الغربية علينا وعلى أولادنا بعدة وسائل، وتكسبهم المبادئ المستوردة بالقوة الناعمة الهادئة ولكنها مؤثرة، و تجذبهم إلى العادات والتقاليد الأجنبية بأساليب شيطانية، وتستخدم الحيل والوسائل المشوقة، والأساليب المبتكرة لإبعاد المسلمين وخاصة الشباب عن دينهم.
فعلى الرغم من أننا قد حاولنا تربية أبنائنا على الاستقامة، وعلمناهم من الصغر كيف يخافون الله تعالى، ودربناهم على كيفية الوقوف في وجه المشكلات، ومحاولة الصمود أمام الابتلاءات، ومع ذلك فهو الآن يضعفون أمام المغريات، ولا يتماسكون أمام الملهيات، وتكاد هذه الوسائل الحديثة أن تسرق منهم رمضان، كما سرق منا سابقا!
موانع الاستفادة من رمضان:
فقد نجحت هذه الملهيات، وتلك الزخارف الدنيوية ـ في سنوات عديدة سابقا نحن الكبار ـ أن تمنعنا من الاستفادة بهذا الشهر الكريم، إما بعدم حفظ الجوارح خصوصا اللسان، وإما بتضييع الأوقات أمامالتلفاز والمسلسلات، وتحويل شهر رمضان من شهر للعبادة والصبر والتقوى وقراءة القرآن والعمل به، إلى شهر للسهر والسمر، وإشغال الناس وقت القيام والتراويح بحل الفوازير المليئة بصور النساء الفاتنات، و خصوصا وقت الإجازة الصيفية، والتي تتسابق فيها شركات السياحة لإغراء الجميع بقضاء أفضل الأوقات في الأماكن الخلابة، والسهر على الشواطئ الساحرة، وننسى وقت السحر، وهو أفضل الأوقات لاستجابة الدعاء، وأفضل الأوقات لحل المشكلات(1)
ولكن ما الحل؟
يمكن لمن يريد السياحة واكتساب الأجر وعدم سرقة الوقت في رمضان أن يسافر لأداء العمرة، ويتذكر الثواب المترتب على أدائها في رمضان، فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"عُمرَةً في رمضانَ حَجَّةٌ" رواه البخاري، ومن الممكن أداء العمرة في شعبان وفي أي وقت من العام، و يجوز تكرارها، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا"متفق عليه, وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ" رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني. والعمار وفدوا على بيت الله, فاستحقوا التكريم والمغفرة واستجابة الدعاء, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ" رواه النسائي وغيره, وصححه الألباني.
ويتذكر كل من سرق منه الوقت قبل ذلك في رمضان يتذكر خصائص وفضائل شهر رمضان،
أو يقوم بزيارة المسجد النبوي الشريف ويتعلم آداب زيارة المسجد النبوي الشريف، أو يخطط للاستفادة بالوقت بقضاء الأيام العشر الأواخر من رمضان في مسجد جامع للاعتكاف لتحري ليلة القدر، وأخذ الزاد الإيماني من سنة الاعتكاف الإسلامي.
و إذا كان لا بد من السفر والسياحة؛ فيكون سفر للطاعة و استحضار النوايا الطيبة، فيسافر بنية لطلب العلم النافع، أو الحرص على حضور الدروس المفيدة في بعض المساجد، مع الحرص على عدم إشغال النفس بالأمور التي تلهي عن الطاعة، وتوقع المسلم في المعصية التي قد تحجبه عن العبادة والطاعة، وتقيده عن التسابق لفعل الخيرات، ويمكن السياحة بالترفيه البريء، والمشاركة في المسابقات المنوعة النافعة، بعيدا عن ذل المعصية، واتباع الشيطان.
وبعض الناس يخرج في سهرات للجلوس على المقاهي، أو حضور مهرجانات غنائية وموسيقية! أو بعض الناس تسرق منه الأوقات في رمضان بل وتضيع الأعمار في الرد على التأويلات الباطلة، أو المزاعم الكثيرة، والاتهامات العديدة التي توجه للإسلاميين هذه الأيام والذين انشغلوا كثيرا بالسياسة والخلافات المنازعات عن التربية والدعوة والدروس النافعة، والعمل على زيادة الإيمان.
كيف نمنع سرقة الأوقات في رمضان:
فعلينا جميعا سواء كنا شيوخا أو شبابا رجالا أو نساء أن نحذر على تضييع الأوقات في رمضان، ونحذر أن ننشغل عن حسن الاستعداد لرمضان من شهر شعبان، فشهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة، فهو منحة ربانية لمغفرة الذنوب، وهدية من الله عز وجل لكي نتوجه إليه بالتوبة النصوح، ونندم ما فات من ذنوب، ونعزم على عدم العودة، وندعو الله تعالى بصدق وإخلاص أن يتوب علينا ويتقبل منا، ويغفر لنا تقصيرنا، وأن يمنحنا القوة على الصيام الموصل للتقوى، وأن يعننا على القيام الذي يصل بنا إلى المغفرة، ونسأله تعالى أن يعطينا الصحة للتسابق إلى سائر الطاعات، والحرص على الاستفادة من الأوقات خصوصا الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان والتي فيها ليلة القدر، والتي أنزل فيها القرآن، والتي هي خير من ألف شهر، كما قال الله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" والتي قال فيها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه، فهل نتقبل هذه الهبات، وهل نأخذ الزاد مننفحات من ليلة القدر، وهل نحسن استثمار هذه الفرص العظيمة لنعوض ما فات، ونندم على التقصير والغفلة و نترك الكسل والخمول، ونقبل على العبادات بجد ونشاط، وننشغل بالطاعة ونزهد عن الملهيات والأمور التي تصرفنا عن التنافس في الخيرات.
وليحسن كل منا نيته في أن يحتسب الأجر، ويخطط للانتفاع من الآن في شهر شعبان لمعرفة كيفية الاستفادة من الوقت في رمضان، ويدرب نفسه ويهيئها من الآن لينجح في الصيام والقيام وقراءة القرآن، وإذا انشغل عن هذه الطاعات في العشر الأوائل فليخطط للعشر الأواخر والتي ينبغي أن يحرص فيها على تفريغ نفسه وينقطع للعبادة والاعتكاف، فـالاعتكاف.. زاد على طريق الطاعة!
فهل نتذكر جميعا أن رمضان فرصة سنوية كبيرة، وموسم عظيم لنيل الثواب وتحصيل الأجر، فلنحرص على ألا يسرق منا، ونندم ولات ساعة ندم، ونسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان، ويعيننا على صيامه و قيامه، ويمنحنا فيه مغفرة الذنوب، والفوز بالجنة، والعتق من النار.