بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
أولا : السبب الغالب في اختلاف
بدء الصيام من بلد لآخر ، هو اختلاف مطالع الأهلة . واختلاف المطالع أمر
معلوم بالضرورة حسا وعقلا .
وعليه فلا يمكن إلزام المسلمين بالصوم في وقت واحد ، لأن هذا
يعني إلزام جماعة منهم بالصوم قبل رؤية الهلال ، بل قبل طلوعه .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله عمن ينادي بتوحيد الأمة في الصيام ، وربط المطالع كلها بمطالع مكة ،
فقال :
" هذا
من الناحية الفلكية مستحيل ؛ لأن مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم ، وإذا كانت تختلف
فإن مقتضى
الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه .
أما الدليل الأثري فقال الله تعالى : (
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) البقرة/185 . فإذا
قُدِّرَ أن أناسا في أقصى الأرض ما شهدوا الشهر -أي
: الهلال - وأهل مكة شهدوا الهلال ، فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من
لم يشهدوا الشهر ؟! وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صُومُوا
لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا
لِرُؤْيَتِهِ ) متفق عليه ، فإذا رآه أهل مكة مثلاً فكيف نلزم أهل باكستان
ومن وراءهم من الشرقيين بأن يصوموا ، مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في
أفقهم ، والنبي
صلى الله عليه وسلم علق ذلك بالرؤية .
أما الدليل النظري فهو القياس الصحيح الذي لا
تمكن معارضته ، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل
الجهة الغربية ، فإذا طلع الفجر على الجهة
الشرقية ، فهل يلزمنا أن نمسك ونحن في ليل ؟ الجواب : لا . وإذا غربت الشمس
في الجهة الشرقية ، ولكننا نحن في النهار فهل يجوز لنا أن نفطر ؟ الجواب :
لا . إذاً
الهلال كالشمس تماما ، فالهلال توقيته توقيت شهري ، والشمس توقيتها توقيت
يومي ، والذي قال : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
الْخَيْطُ الأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ
إِلَى اللَّيْلِ ) البقرة/187 . هو الذي قال : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
) فمقتضى الدليل الأثري والنظري أن نجعل لكل مكانٍ حكماً خاصًّا به فيما
يتعلق بالصوم والفطر ، ويربط ذلك بالعلامة الحسية التي جعلها الله في كتابه
، وجعلها
نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته ألا وهي شهود القمر ، وشهود الشمس ،
أو الفجر " انتهى من فتاوى أركان الإسلام ص 451.
وقال رحمه الله موضحاً هذا القياس ،
ومؤيداً به حجة الذين اعتبروا اختلاف المطالع :
" قالوا : والتوقيت الشهري كالتوقيت
اليومي ، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي ، فكذلك يجب أن
تختلف في الإمساك والإفطار الشهري ، ومن المعلوم
أن الاختلاف اليومي له أثره باتفاق المسلمين ، فمن كانوا في الشرق فإنهم
يمسكون قبل من كانوا في الغرب ، ويفطرون قبلهم أيضا .
فإذا حكمنا باختلاف المطالع في
التوقيت اليومي ، فإن مثله تماما في التوقيت الشهري .
ولا يمكن أن يقول قائل : إن قوله
تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) وقوله صلى الله عليه وسلم : (
إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا
هُنَا ، وَغَرَبَتْ
الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ) لا يمكن لأحد أن يقول : إن هذا عام
لجميع المسلمين في كل الأقطار .
وكذلك نقول في عموم قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا
رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ
فَأَفْطِرُوا ) وهذا القول كما ترى له قوته بمقتضى اللفظ ، والنظر الصحيح ،
والقياس الصحيح أيضا ، قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي " انتهى .
نقلا عن
"فتاوى رمضان" جمع أشرف عبد المقصود ص 104 .
وصدر عن هيئة كبار العلماء ، بيان مهم
بهذا الخصوص ، وهذا نصه :
" أولاً : اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة
حساً وعقلاً ، ولم يختلف فيها أحد من العلماء ، وإنما وقع الاختلاف بين
علماء المسلمين في : اعتبار
خلاف المطالع ، وعدم اعتباره .
ثانياً : مسألة اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره من
المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال ، والاختلاف فيها واقع ممن لهم
الشأن في العلم والدين ، وهو من
الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين : أجر الاجتهاد ، وأجر الإصابة ،
ويؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد .
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع ، ومنهم من لم ير اعتباره . واستدل كل
فريق منهما بأدلة من الكتاب والسنة
، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى :
( يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ
وَالْحَجِّ ) البقرة/189
. وبقوله صلى الله عليه وسلم : ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا
لِرُؤْيَتِهِ ) الحديث . وذلك لاختلاف الفهم في النص ، وسلوك كل منهما
طريقاً في الاستدلال
به .
ونظرا
لاعتبارات رأتها الهيئة وقدرتها ، ونظراً إلى أن الاختلاف في هذه المسألة
ليست له آثار تخشى عواقبها ، فقد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرناً ،
لا
نعلم فيها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة . فإن أعضاء
مجلس هيئة كبار العلماء يرون بقاء الأمر على ما كان عليه . وعدم إثارة هذا
الموضوع
، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين
المشار إليهما في المسألة ، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته .
ثالثاً : نظر مجلس الهيئة في
مسألة ثبوت الأهلة بالحساب ، وما ورد في الكتاب والسنة ، واطلعوا على كلام
أهل العلم في ذلك ، فقرروا بإجماعٍ عدمَ اعتبار حساب النجوم
في ثبوت الأهلة في المسائل الشرعية ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( صُومُوا
لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) الحديث . وقوله صلى الله عليه
وسلم : (
لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ) الحديث .
وما في معنى ذلك من الأدلة " انتهى نقلا عن "فتاوى اللجنة الدائمة"
(10/102) .
الإسلام
سؤال وجواب
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته